(وقد كان في الأنبياء والسابقين الأولين من الأغنياء من هو أفضل من أكثر الفقراء، وكان فيهم من الفقراء من هو أفضل من أكثر الأغنياء، والكاملون يقومون بالمقامين) -أي: الكاملون ممن حققوا مقامات العبودية يقومون بالمقامين- (فيقومون بالشكر والصبر على التمام، كحال نبينا صلى الله عليه وسلم، وحال أبي بكر و عمر رضي الله عنهما).
أي: أنهما عاشا حالاً من الشكر، وحالاً من الصبر، بحسب ما يأتيهما، فإن جاءهما رخاء ونعمة شكروا، وإن جاءهما بلاء وأذى صبروا.
يقول: (كما في الحديث الذي رواه البغوي وغيره: ( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي، إني بهم خبير بصير ) ).
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ).
ونصف اليوم هذا هو الخمسمائة عام؛ لأن الحال كما قال تعالى: (( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ))[الحج:47]
يقول: (وفي الحديث الآخر: حديث ( ذهب أهل الدثور بالأجور، فقالوا مثلما قالوا، فذكر ذلك الفقراء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )، فالفقراء متقدمون في دخول الجنة؛ لخفة الحساب عليهم، والأغنياء مؤخرون؛ لأجل الحساب، ثم إذا حوسب أحدهم فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته في الجنة فوقه؛ وإن تأخر في الدخول، كما إن السبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، ومنهم: عكاشة بن محصن ، وقد يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل من أحدهم).
يعني: من أحد السبعين ألفاً.
فهذه فتوى موجزة، ثم بسط الكلام، وأنا أحببت أن نقدمها شيئاً فشيئاً، فمن أراد أن يأخذ بالموجز فليأخذ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كلام الشيخ رحمه الله، وقد تكررت هذه المسألة على الشيخ؛ ولهذا يأتي الجواب مختصراً مرة، ومرة أطول قليلاً، ومرة أكثر؛ لأن هنا الموضوع كان في أيامهم متردداً وشائعاً، فالفتوى التي أطال فيها الشيخ هي من (ص122) إلى آخر (ص132).
والشارح هنا أوجز ولخص منها ما كتبه هنا، ونحن سنأتي عليها من أصلها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.